اسباب الاكتئاب واختلافها بين الماضى والحاضر
لا يوجد سبب واضح ومحدد للاكتئاب، إذ أن هناك عوامل كثيرة ومختلفة تؤدي إلى الاصابة به قد تكون عوامل نفسية، اسرية، بيئية وراثية وضغوط اجتماعية واقتصادية كبيرة لم يعد يستطيع الإنسان تحملها أو التعامل معها، ويحدث الاكتئاب نتيجة لإنهيار الدفاعات الداخلية للانسان بسبب تعرضة للصدمات فى مرحلة الطفولة التي أدت إلى حالة من الضعف والانهيار تجاه المواقف الحياتية المختلفة.
الأسباب العامة لمرض الاكتئاب :
الى الان لم يقرر الطب النفسي أسباب محددة لمرض الاكتئاب، والتى تختلف باختلاف الشخصية ولكنه حصرها في أربع محاور و أسباب رئيسية، و هى أسباب بيئية، حيوية ، نفسية، اجتماعية وقد يكون استعداد وراثى.
هناك نوعين من الأسباب التى تؤدى إلى الإصابة بمرض الاكتئاب، اسباب مباشرة ويظهر فيها المرض بعد أو أثناء تلك الوقائع.
غير مباشرة، التي تكون عبارة عن تراكمات في العقل الباطن وتظهر بعد فترات وتراكمات قديمة.
قد تكون تلك الأسباب المباشرة مثل وفاة أحد الوالدين، التعرض للحوادث والعمليات الجراحية، وقد يصحب تصدع الاسرة او انفصال احد الزوجين ويكون أكثر عرضة له هو الأطفال، ولكن على الرغم من وجود هذه العوامل إلا أنها ليست كافية في الإصابة بمرض الاكتئاب.
فيجب أن يكون هناك استعداد نفسي وتفاعلات اكثر عمقا ادت الى الاصابة به والدليل على ذلك، أن ليس كل الشخصيات تصاب بالاكتئاب اذا واجهت نفس الظروف أو تعرضت لتلك العوامل.
دور الجسد فى الإصابة بمرض الاكتئاب :
لوحظ دائما أن مرضى الاكتئاب بصفة عامة يتمتعون بتكوين جسدي واحد، يطلق علية “التكوين المكتنز” ومن خصائصة الميل الى الامتلاء، قصر القامة واستدارة الوجه وذلك مقارنة بانواع واشكال مختلفة من الاجساد الاخرى، اذ ان المظهر العام وخاصة السمنة يلعب دور مهم في الإصابة بمرض الاكتئاب.
اسباب الاكتئاب عند الاطفال :
هناك اعتقاد خاطىء بأن الاكتئاب يصيب الناس فى مرحلة عمرية فقط وعادة ما تكون فى مرحلة منتصف العمر وتقدم السن، ولكن هذا الإعتقاد يخالف الواقع، اذ ان الاكتئاب مرض لكل الاعمار ويصيب الاطفال بنسبة كبيرة، الأمر الذي يدفعهم إلى التفكير فى الانتحار.
لكنة يأخذ شكل اضطراب جسماني وسلوكى، مثل تبول لا ارادي ,عيوب في النطق واللجلجة، آلام في المعدة و القيء وتظهر تلك الأعراض على الطفل، الذي لا يستطيع التعبير عن حالة الحزن بلغة مفهومة او حتى عندما يعبر عنها لا يستطيع الأهل تصور أنه يمر بحالة اكتئاب أو يعتبرونه تدليل طفولي أو حزن عابر.
ومن اسباب الاكتئاب عند الاطفال:
- اذا كان احد الوالدين مصاب بالاكتئاب أو اضطراب نفسي مثل الادمان.
- عندما يتعرض الطفل للقسوة والعقاب والحرمان الشديد أو لصدمات وتجارب اليمة أثرت فيه.
- المشاكل الاسرية والخلافات الحادة بين الزوجين وخاصة امام الاطفال والتى تؤدى الى الانفصال.
اختلاف اسباب الاكتئاب بالنسبة للمرأة والرجل:
تشير الأرقام إلى أن نسبة النساء المصابات بالاكتئاب أكثر من الرجال، وتقدر نسبة الاكتئاب بين المرأة والرجل بحوالي الضعف ويدل ذلك على أن مقابل كل حالة اكتئاب فى الرجل يوجد مقابلها حالتين اكتئاب فى النساء، كما تشير احصائيات اخرى الى ان احتمال إصابة المرأة بالاكتئاب على مدى سنوات العمر يصل إلى 28 في الألف بينما يبلغ في الرجال حوالى 15 فى الألف، وقد أرجح تلك النسبة الى ان سبب الاكتئاب هو فترة توقف الحيض لدى النساء والتى يطلق عليها مرحلة “سن اليأس ” التى ترتبط بحدوث حالات اكتئاب، ولكن من الناحية العملية فإن تلك المرحلة لا يوجد فيها زيادة فى نسبة الاكتئاب اكبر من المراحل العمرية الأخرى.
لكن ربما ساهمت بعض التغيرات الهرمونية فى تلك المرحلة في إفراز بعض الهرمونات الانثوية في حدوث تغيرات جسمانية التى تؤدى إلى اضطرابات في التوازن النفسي فيما يطلق عليه “اكتئاب سن اليأس” ولكنها حالة لم تعد موجودة فى الطب الحديث.
وبالنسبة للرجال فإن التقدم فى العمر والتقاعد قد يرتبط فى زيادة الاصابة بالاكتئاب التى تصل الى 15% من المسنين فوق ال65 بالاضافة الى ظهور أمراض الشيخوخة التي يصاحبها أعراض الاكتئاب.
هل تسبب الأسرة مرض الاكتئاب:
لاشك أن الأسرة تلعب دور كبير فى الإصابة بمرض الاكتئاب سواء بشكل مباشر مثل الانتقال الوراثي لمرض الاكتئاب او العلاقات الاسرية المفككة التى يفقد فيها الحب والاحتواء فيقع الأطفال في براثن الاكتئاب النفسي الذي يلفهم بظلمة غياب الحب وحضور القسوة
تؤكد الدراسات أن الأسر ذات التاريخ المرضى من مرض الاكتئاب ابنائها معرضون للاصابة به بمقدار 3 أضعاف من الأسر العادية
هذا يؤكد العامل الوراثى فى الاصابة بمرض الاكتئاب، وهناك علاقة قوية بين الاكتئاب والأمراض النفسية الاخرى المصاب بها أحد الوالدين مثل الفصام، الصرع، الإدمان والتخلف العقلي، لذا يجب أن يتذكر الأطباء النفسيين أن يقوما بجمع المعلومات عن والدي واجداد والاخوة والاخوات من اقارب المريض.
دور المجتمع فى الإصابة بمرض الاكتئاب:
يلعب المجتمع دور أساسي وهام في الإصابة بمرض الاكتئاب، حتى أننا نجد مجتمعات وشعوب اكملها يسيطر عليها مظاهر الحزن والانعزال وخاصة إذا كان هناك إهمال في المشاعر الإنسانية للفرد تماما وتعرض افراده إلى الإهانات والإساءات اليومية سواء كان بقصد أو بدون قصد، وعدم تقبل المختلفين معه واحتوائهم والسعى الى اشعارهم بالعجز الدائم والنبذ الاجتماعي يظهر ذلك فى صورة تعليقات وسباب وجولات من التحطم والكسر النفسي المستمر للإنسان مما قد يدفعه للانتحار لعدم قدرته على التأقلم معه.
الاستعداد النفسي للفرد في الإصابة بمرض الاكتئاب:
تختلف الشخصيات من انسان لاخر والاستعداد النفسي لمواجهة وتقبل الواقع، ويرجع ذلك الاختلاف للعوامل النفسية والصدمات التى حدثت فى مرحلة الطفولة المبكرة من خبرات اليمة شكلت قدرا كبير من الحساسية النفسية تمهد لظهور الاضطراب فيما بعد وادت ايضا الى تعرض الشخص الى نوع من الهشاشة والضعف فى مواجه الحياة وعدم تحمل الواقع، اذ ان وسائل الدفاع النفسية لمواجهة المشاعر السلبية من احباط ويأس وحزن تم تعطيلها وظهر ذلك المرض نتيجة لذلك الإخفاق، لذا فإن فقدان الشخص القدرة على التوافق مع الحياة والمؤثرات الخارجية المحيطة به قد استمر لفترة طويلة وسبب الاكتئاب، ولم يعد شعور عابر بالحزن والخسارة يتداوى مع الزمن .
هل ساعد التطور العلمى إلى الإصابة بمرض الاكتئاب؟
كان من المتوقع أن يؤدي التطور العلمي الهائل الى مميزات وحياة اكثر رفاهية وسعادة للفرد مقارنة بالأجيال السابقة، ولكن العكس هو ما حدث اذ ادت المدنية الحديث والحضارة الحالية الى تحميل الانسان أعباء ومسئوليات كبيرة، وأصبح على الشخص أن يواجه تلك الأعباء ويتحملها بل ويتكيف معها مثل الواجبات المنزلية ومسئوليات العمل داخل المنزل وتردي الحالة الاقتصادية، التي أصبحت تلعب دور هام في الاصابة بمرض الاكتئاب.
بالاضافة الى العلاقات الانسانية المعقدة مع جهات رسمية وغير رسمية والقوانين المختلفة التى يجب على الإنسان يخضع لها مما ادى الى وضعه تحت ضغوطات هائلة اثقلت كاهله فلا يستطيع تحملها، وإذا قارنا بين الماضي سنجد أن الحياة كانت تسير بإيقاع لا يتطلب بذل مجهود كبير من الانسان وكانت ضغوط الحياة ومتطلباتها في إطار بسيط تنحصر في دائرة الاحتياجات الأساسية لذا ظهرت الان تلك الفجوة بين قدرات الإنسان وما مطلوب منه أن ينفذه ولا يستطيع .